يردد الكثير منا هذه العبارة في لحظات الضعف معبرين فيها عن شعورهم بالندم على تقصيرهم تجاه أحبابهم وحياتهم .. فهل فعلاً هم سيئون ؟!
سأجيب عن هذا السؤال بنقاط عدة :
- لو أن الله خلق الناس على أساس أن هذا سيء وهذا صالح لأسأنا الظن بالله جل وعلا فالله أعطى للناس فرصاً متساوية لاختيار سلوكهم ( وهديناه النجدين ) .. كل الناس في أعماقهم بذور قابلة للنمو والتكاثر بذور صالحة وأخرى سيئة والشخص وحده من يختار أي البذور سيسقيها ويجعلها تنمو في داخله وتسيطر على سلوكه ومن ثم تؤثر على حياته بأكملها .. وسأذكر في ثنايا المقال تفاصيل ذلك ..
- بمجرد أن أحدهم قال عن نفسه أنه إنسان سيء فهذا أكبر دلالة على معدنه الطيب حيث أنه استاء من أخطائه لدرجة أنه اتهم نفسه بالسوء .. فإحساسه ونبض مشاعره مازال على قيد الحياة ..
- كل البشر يرتكبون الأخطاء .. بل ربما أخطائهم تفوق أخطاء ذلك الذي يعتقد بأنه أسوء الناس .. فلا أحد منزّه ولا معصوم عن ارتكاب الحماقات .. ولو أن كل من ساء سلوكه اتهم نفسه بأنه إنسان سيء لأصبح الناس كلهم سيئون ..
- هذا الشعور – بأنك إنسان سيء – هو بسبب حالة نفسية أحبطتك وهدت قواك ومرحلة اكتئاب انتابتك على أثر شيء ما أو حدثٍ ما أو شخصٍ ما ..
- ما تعده خطاءً وتلوم نفسك عليه قد لا يكون خطاء في الأصل .. وكثير من الناس الطيبين يجلدون ذواتهم بسبب تصرفاتٍ كانوا يعتقدون أنها أخطاء إما بسبب عاداتٍ وتقاليد أو بسبب مفاهيم خاطئة ..
وبعد هذه النقاط أقول ..
لا يوجد إنسان سيء أبداً .. بل توجد ظروف سيئة .. بيئة سيئة .. تدفعنا لأن نسقي تلك البذور السيئة داخل أنفسنا فتنمو لتحطم كل ركن من أركان أرواحنا ثم إذا صحونا ووجدنا الدمار الموجود داخلنا نظن أننا سيئون ..
ليست المشكلة تقتصر على اعتقادنا بأننا سيئون ثم ينتهي الأمر إلى هذا الحد .. بل الأمر أعظم من ذلك بمراحل ..
هذا الشعور – الشعور بأنك إنسان سيء – إذا تجذر في داخلك فإنه ينقلك من مرحلة الشخص المحطم الشاعر بتأنيب الضمير إلى شبح داخل جسد إنسان ..
تبدأ بتغذية عقلك الباطن بهذا الشعور المغلوط فتصدق ثم تمارس حياتك على هذا الأساس ..
ستبدأ بالبُعد عن كل ما يذكرك بحياتك الطبيعية التي كنت تعيشها وعن الأشخاص الرائعون الذين كنت تحبهم وتجد نفسك معهم .. لماذا ؟ لأنهم يذكرونك بنفسك يوم أن كنت إنساناً فتتألم وأنت لا تريد أن تتألم .. فتنزوي وتبتعد وتتمسك بشخصيتك الجديدة ( الشبح ) !
ستخسرهم .. سترهقهم من كثرة حزنهم عليك ثم تتحطم بعد ذلك كل الجسور بينك وبينهم .. ويصبح من الصعب عليك العودة مرةً أخرى لأكنافهم الدافئة ووجوههم الحانية .
هل تعتقد أن هذا الدمار هو كل ما ستحصل عليه يا من تعتقد أنك سيء ؟!
بالطبع لا .. هذا هو أول الطريق فقط نحو الجحيم ..!
عقلك الباطن الذي يرسل لك إشاراته المتتالية بسوء طويتك سيدفعك للمزيد من السلوك الخاطيء .. فتنغمس شيئاً فشيئاً في الوحل .. ستلج متاهة الأشباح المرعبة .. ستضحك بلا قلب .. ستتمتع بلا لذة .. ستعتاد عيناك على الظلام .. وسيدفعك ذلك للمزيد من الضياع ..
وبحكم أنك لست بشبحٍ في حقيقة الأمر .. فإن روحك في بدايات هذه المرحلة ستصحو لتحاول أن تتدارك الأمر .. فتحاول أن تفتح عينيك وتتجه نحو النور حتى تخرج من تلك المتاهة فإذا اقتربت من بوابة الخروج أحرق شعاع الحقيقة عينيك فتغمضها وتولي هارباً نحو المتاهة مرة أخرى ..!
ستغيب وتغيب وتغيب داخل تلك المتاهة حتى تصل إلى نقظة اللاعودة وتقع في حفرة الجحيم .. ستدور في ذهنك تساؤلات وأفكار وهواجس .. ستدرك أنك لا تدرك أي شيء ولا تفهم أي شيء ولا تقوى على أي شيء .. حينها ستتمنى الموت وربما ستدفع نفسك نحوه ..
ستحتاج إلى معجزة لتخرجك من حفرة الجحيم تلك .. والمصيبة أن كل من اقترب منك محاولاً إنقاذك ستؤذيه من حيث لا تشعر .. فيولي هارباً ..
هل رأيت كم أن الموضوع لا يقتصر على مجرد شعور بل يتعلق بحياة كاملة بتفاصيلها .
وماذا بعد هذا كله .. إن هدفي من هذا المقال هو أن أسلط الضوء على تلك المناطق المظلمة التي قد يخطوها الشخص بسبب نفسيته المحطمة أو بيئته المزعجة أو ضميره الذي يؤنبه باستمرار بصورةٍ سلبية ..
والحل ؟ هو عدم الخوف من شعاع الحقيقة حينما يحرق عينيك وأنت خارجٌ من تلك المتاهة المظلمة .. صحيح أنك ستتألم لكنك إن تحملت ذلك الألم ستشعر بعده براحة لم تكن تحلم بها ولا تتخيلها من قبل .. الحل بمواجهة واقعك والانتفاضة على جميع الأسباب التي أدت بك إلى أن تكون شبحاً .. إن كانت بيئة يجب أن تغيرها .. إن كانوا أشخاصاً يجب أن تهجرهم .. إن كان سلوكاً يجب أن تغيره ..
ستقول كيف ؟!
الجواب يعتمد على حسب كل إنسان ومسبباته وظروفه .. ابحث عن عاقلٍ حكيم واطلب منه المساعدة .. بشرط أن يكون عاقلاً وحكيماً .. فالعاقل لن يستغل ضعفك والحكيم سيعرف علاجك ..
فهل بعد هذا المقال ستقول أنك إنسانٌ طيب ؟ هذا ما أتمناه .. لأنك فعلاً طيب وتستحق أن تعيش حياة طيبة .. فقط ابذل الأسباب وستجد الخير بإذن الله .
أحمد عبدالعزيز الجبرين
20-8-2017 م
أضف تعليق